مراجعة كتاب القدس:وجوه متعددة للكاتب - المصور لوكاس لاندمان

Date
2025-09-06
Authors
يوسف النتشة
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
جامعة القدس
Abstract
صدر في النصف الأول من عام 2024 عن شوابه فرلاغ Schwabe Verlag في بازل - سويسرا، كتاب ضخم، يقع ضمن الكتب النادرة، أو القليلة كونه منضدًا بثلاث لغات: الإنكليزية (الأصلية)، وكل من العربية والعبرية ترجمة من الأصل الإنكليزي. وهو مجلد صور ضخم، مزود بخرائط متعددة، وصور احترافية ملونة، والكتاب من القطع الكبير(25.5سم/29.5 سم)، مع كعب بلغ سمكه (5سم)، ويقع في (525) صفحة، ​​علاوة على ثلاث صفحات غير مرقمة في نهاية الكتاب: الأولى لحقوق الصورة، والثانية للأدبيات التي نُهل منها الكاتب المعلومات، والثالثة اعتذار لطيف من الكاتب والناشر للكتاب إلى قراء اللغات السامية (العربية والعبرية)، لاضطرارهم قراءة الكتاب عبر تقليب صفحاته باتجاه اليد اليمنى، عكس فتح الكتاب المطبوع بالإنكليزية الذي تُقلب صفحاته باتجاه اليد اليسرى؛ معللين ذلك بأن: «قراء اللغات السامية لديهم خبرة أكبر في قراءة الكتب الإنكليزية مقارنة بخبرة الغربيين في القراءة من اليمين إلى اليسار». كان المؤلف لوكاس لاندمان Lukas Landmann أستاذاً فخرياً في علم التشريح والأنسجة في جامعة بازل في سويسرا، وطيلة عمله الأكاديمي قام بتصوير الخلايا، وبعد تقاعده، توجه إلى الاهتمام بمواضيع مغايرة، شملت العمارة والتصوير، حيث أصدر قبل الكتاب موضوع المراجعة ثلاثة كتب: بازل في صور، بازل موضحة (2010)، على طول بريس (2012)، وكنوز لايبنت كامارغ الساسيان (2016)، مع هـ. دورير. حظي الكتاب بتجليد ورقي مقوى فاخر، و غلاف رمادي اللون مع مسحة من اللون الأزرق الفاتح، وراجع النص الإنكليزي كيث برد، وقام مساعدا أبو غُشمة وإياد مداح وسوسن أبو عُشمة بالترجمة إلى العربية. وأما الترجمة العربية فُقمت من قبل نوعام بن يشاي، وغالبا فرغان، والكتاب على جلالته وقدره، وما بُذل فيه من جهد، ليس كتاباً أكاديمياً أو بحثياً، بل هو كتاب مثقف، توعوي، وهذا يتفق مع هدف الكاتب كما عبر عنه بالقول: «إن هذا الكتاب يقدم تراث القدس الثقافي عبر الصور والمتن المقتضب». وقد أكد في أكثر من مقام أنه قدم الكتاب بثلاثة نصوص احتراماً للديانات والحضارات التي شكلت وجه مدينة القدس الفريدة (الكتاب، ص 11). وما يحسن الإشارة إليه، هو أن الكتاب يغلو من الحواشي أو المراجع، إلا أنه أُحيل (http: //dnb.dnb.de) باعتبار يَحوي البيانات الببليوغرافية التفصيلية. إن مجلداً بهذا الحجم والاتساع، لا شك في أنه حظي بتبرع سخي من قبل عدة جهات ومؤسسات. وما يلفت النظر أن أولها ذُكِر، وكما يبدو أكثرها سخاءً، كانت جهة ومؤسسة مجهولة الهوية، علاوة على عدة جهات تم ذكرها (ينظر الكتاب، الصفحة التي تلي صفحة العنوان الأساسي الداخلي). ووجود جهة خَمسية مجهولة، يثير التكهنات لمعرفة، ويطرح بعض الافتراضات عما إذا كانت هذه الجهة عربية أو إسلامية، أو هي من بعض من يتسابق مع ما يسود من أفكار ترى أن وجوه المدينة المتعددة تلتقي عند الإبراهيمية المجلية. والملاحظ أن الشكر والعرفان تطغى عليه الشخصيات الإسرائيلية أو اليهودية (الكتاب، ص: 15)، وهذا بالقطع سوف ينعكس على جزء غير يسير من مضمون الكتاب كما سوف يبين. وإن أول احتكاك فكري مع مفردات الكاتب في مقدمته، مجرد يعكس بقوة لا فكاك منها، إلى تقديره لفَرادة هذه المدينة وأهميتها، ويجعلك تقدر سعة اطلاعه على تاريخ المدينة عبر الفترات التاريخية المختلفة، وإن كانت محكومة بإطار ثقافته الأوروبية وما هو متمرس له من مصادر ومراجع باللغات الأوروبية التي يتقنها، ويسير المؤلف بك بسلاسة الأفكار، مُبيناً أن الصراع الدائم بين الديانات الثلاث على مِثل له الأسَسية والخطرة، إلى جانب الأطماع الاستعمارية للقوى الأجنبية، كانت دائماً المتغير الثابت للمدينة على مدار مئات من السنين، ويستمر في ضرب الأمثلة، إلى أن يصل إلى رؤيته ورسائله إلى مفادها أن كل ثقافة وكل أمة وكل مدينة، لن يتم ترسيخ ثقافتها وهويتها، إلا عندما تعترف بالتاريخ وتخصبها بالكامل، وتتعرف بالتاريخ المشترك، وأن الآخرين هم دور فيه، هو بصراحة يرى في المدينة سيدة عجوز راكمت من العمر والحكمة الكثير، وبات من غير الممكن أن تقبل برواية واحدة منفصلة. وإذا ما انتقل القارئ إلى الصفحة التالية مقدمة الكتاب بعنوان "كيف تقرأ هذا الكتاب؟" (الكتاب، ص:11)، فإنك لا محالة، تواجه تحفظات الكاتب ومخاوفه من أن يتهم بأنه متحيز في اختياراته، ويرد بأنه إذا كان كذلك، فهل هو "انحياز مشوّه مزيف أكثر من ذلك الانحياز السافر الذي ينتهجه سكانها والفاعلون في الصراع الحالي؟" وإذا ما انتهى من محاولة تبرئة الكتاب من فكرة الانحياز، فإنه ينتقل إلى هاجس آخر قد يوصم به، وهو أن يقال عنه إنه من "المستشرقين الجدد". وفيما يخص قراءتنا للكتاب، فإنها بكل تأكيد سوف تقود إلى أن يصنف في دائرة المستشرقين، ولكنهم ليسوا جدد، إنما هو صدى لاستمرار مدرسة الاستشراق القديمة، كما سيتبين في نصوص هذا المقال.
Description
Keywords
Citation