02. العدد الثاني
Permanent URI for this collection
Browse
Browsing 02. العدد الثاني by Author "المتوكل طه"
Now showing 1 - 1 of 1
Results Per Page
Sort Options
- Itemتمثلات القدس في الثقافة والمقاومة(2019) المتوكل طهالقدس:الكمبرادور الثقافي وآليات التطبيع ونقيضه: الحديث عن القدس هذه الأيام لا يسرّ ولا يطرب, عندما تزورها فإنك تشعر بما شعر به أسامة بن المنقذ عندما زار القدس وهي تعاني إذلال وحكم الفرنجة. القدس الآن وباختصار ودون الخوض في تفاصيل محرجة ومخجلة, مدينة تمزّق وتخترق وتمحى وتهوّد, وتغيّر وتبدّل بوصة بوصة, جداراً جداراً, ويعمل المحتل على محاصرة أهلها,بيتاً بيتاً, شاباً شاباً, امرأة امرأة, بالضرائب و الألاعيب والمؤامرات المخابراتية والتهديد بالطرد والتوقيف وعدم منح الأوراق الثبوتية وباقي أوراق المواطنة والبقاء, التي تكتسب أهمية كبرى للصمود اليومي واحتمال الحياة في القدس, ولا يكتفي المحتل بذلك, فهو يسهّل كل أنواع الجريمة والانفعالات والانحلال والتفكك الأسري والأخلاقي, والمحتل يغضّ البصر عن الخلافات العائلية والقانونية وحتى الفصائلية ما دامت تصبّ في مصلحته ومصلحة بقائه, والمحتل استطاع أن يطرد أو يسهل طرد المؤسسات الفلسطينية ذات الصبغة السيادية أو الشبيهة بها, واستطاع المحتل أن يغلق أو أن يعمل على إغلاق كل المؤسسات الفلسطينية والعربية والأجنبية التي تعمل في مجال الثقافة أو الفن أو التربية أو التعليم أسوار من الإسمنت, وهناك أسوار من الأسلاك الشائكة وهناك أسوار من المستوطنين, وهناك أسوار من الشوارع الالتفافية, والأهم من ذلك, هناك أسوار من الصياغات الدبلوماسية والتواطؤ الدولي والدعم القريب والبعيد, تسمح للمحتل أن يستفرد بالقدس وأن يسوّرها وأن يمتلكها أو يهيئ له ذلك حتى حين. إن السور الدبلوماسي الذي يسّور القدس ويفصلها عن محيطها وبيئتها وشعبها يقابله أو يدعمه ويقويه سور من الألسن المربوطة والقلوب الخاوية ممّن ارتضوا السكوت رغم انتسابهم للقدس ديناً ولغة. ورغم ذلك كله, ورغم أن المواطن القدسي غير معّرف قانونياً حتى اللحظة بما يفيد مواطنته وامتلاكه لبيته أو مدينته - فهو يحمل ثلاثة أنواع من الوثائق الثبوتية المتضاربة فيما بينها - ألا أن هذا المواطن المحاصر والمهدد والملاحق بكل شيء… هو الذي يهبّ في كل لحظة ليحمي الأقصى بصدره العاري, وهو من يهبّ لنجدة الكنيسة أو المسجد أو المقبرة أو البيت الذي يحاصره المستوطنون. المواطن المقدسي ورغم كل المؤامرات التي تحاك ضده إلا أنه يحمل على كتفيه قدره الثقيل والمقدس. تشهد القدس اليوم أقوى وأعمق هجمة استيطانية إحلالية في تاريخها الحديث, إذ يقوم المحتل فعلياً بإفراغ أحياء كاملة من القدس من مواطنيها الأصليين, في حي البستان والشيخ جراح وفي قلب المدينة القديمة, يترافق ذلك مع تسمين المستوطنات المحيطة بالقدس من جهة, مستوطنة معاليه أدوميم شمالاً وحتى جيلو جنوياً, والمحتل يقوم الآن باستباق الزمن وفرض الوقائع قبل أيّ تسوية يتم التواصل إليها فرضاً أو طوعاً, مع الأخذ بعين الاعتبار أن أيّ تسوية سياسية ستكون ضمن موازين القوى الحالية لصالح المحتل بالتأكيد, وستكون التنازلات والتسويات على حساب الطرف الأضعف. لا يمكنني الآن وصف مدينة القدس التي تخطف من تاريخها وهويتها, بالأنفاق وعزل الأحياء العربية وتطويقها لمنعها من النمو والتمدد, ودفع المستوطنين في كل زاوية وفي كل بيت مقدسي, عدا الكاميرات التي تراقب حتى الذباب في المدينة, والتواجد الشرطي والمخابراتي الكثيف, والوجود الدائم للرموز الإسرائيلية واليهودية في كل شارع, والحرف العبري الذي يغطي اللوحات واللافتات, وعسكرة الحياة وتسمينها بالفوبيا الأمنية التي تراها في كل زاوية, يجعل من مدينة القدس مدينة غريبة وبعيدة, أنا المسجد الأقصى فإن زيارته مخاطرة, ففي أي لحظة قد تفاجأ بسوائب المستوطنين المتطرفين يطوفون في أرجائه, أو تفاجأ باستنفار عناصر الشرطة الإسرائيلية وهجومهم على هدف ما, وعادة ما يكون صرة تحملها قروية فلسطينية تسللت من إحدى القرى القريبة لتصلي ركعتين في المسجد الأقصى, وقد تفاجأ بأن يوقفك شرطي إسرائيلي يمنعك من دخول بوابات المسجد التي تحولت إلى نقاط تفتيش ومراكز اعتقال..