المقدسيّون من رواد النهضة الفكرية والأدبية يقودون فلسطين في القرن التاسع عشر أحد عشر رائداً مقدسية بين خمسين "قراءة تحليلية لموسوعة الباحث جهاد أحمد صالح
Date
2020-09
Authors
عزيز العصا
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
جامعة القدس - مركز دراسات القدس
Abstract
يعد القرن التاسع عشر ميلادي, وحتى الخمس الأول من القرن العشرين, مفصلاً مهماً في تاريخ الأمّتين العربيّة والإسلامية؛ لأنه جاء ختاماً لستّة قرون متواصلة من نمط حكم عائليّ وراثيّ ساس الإمبراطوريّة العثمانيّة وقادها (1300م-1924م), قلّما يشهد له التاريخ مثيلاً من حيث التتابع في استلام الحكم داخل نفس العائلة, والثبات في السّياسة العليا للدّولة, أضف إلى ذلك أنها شهدت العديد من الحروب والأحداث الكبرى, كان آخرها الحرب العالمية العظمى التي اندحرت فيها الإمبراطوريّة العثمانيّة بعد أن تجاوزت مساحتها, في أوج قوّتها, أربعة عشر مليون كيلو متر مربع.
أما على مستوى الوطن الفلسطينيّ, فقد شهد القرن الأخير (التاسع عشر) ظهور شريحة من المثقّفين, كانوا روّاد هذه الحقبة, وهم الأكثر تعرضاً المتغيرات المفاجئة من قبل دولة ونظام حكم يترنحون تحت وطأة ضغوط الأعداء الاستراتيجيين, الذين يتربّصون بهم الدوائر, ويحضّرون أنفسهم لاقتسام كعكتها التي أخذت تنضج شيئاً فشيئاً منذ أواخر القرن الثامن عشر. وهناك عوامل عجّلت في حالة الانهيار, مثل: ضغط الفقر والفاقة والحاجة, وإغراءات وتهديدات الاستعمار الغربيّ القادم إلى المنطقة بنيّة استغلال موقعها الاستراتيجي, والسيطرة على ثرواتها, والعمل على تفتيتها؛ لضمان عدم إمكانّية إعادة التحامها.
اعتمد الباحث الفلسطيني "جهاد أحمد صالح, في موسوعة أصدرها حول "روّاد النهضة الفكريّة والأدبيّة وأعلامها في فلسطين" عن دائرة الثقافة والإعلام في الشّارقة بين عاميّ 2016م و 2019م, أن النهضة انطلقت على يد مواليد عام 1829م؛ أي إن من كانوا أطفالاً تحت الحكم المصريّ في عهد محمد علي باشا (1831م-1839م). وقد أنجز صالح منها ستة مجلّدات - حتى تاريخه- تضم مائة وأحد عشر رائداً في المجالات الفكريّة والأدبيّة المختلفة, توزعت على (4885) صفحة من القطع الكبير, وقد تم ترتيبهم حسب تاريخ الميلاد.
وقد قمت في هذه الدّراسة بتجزئة الموسوعة إلى جزءين رئيسّين, هما: مواليد القرن التاسع عشر بين العام خلال الفترة (1829-1900), والتي شملت (50) رائداً ورائدة, توزعت سيرهم على (2122) صفحة؛ تشكل حوالي (43%) من حجم الموسوعة التي بين أيدينا, ممن واجهوا شظف العيش؛ من لحظة الولادة(في ظل الفقر والجوع وجهل المجتمع) حتى آخر العمر, حيث توزعوا بين من عاش وعايش انفراط عقد الإمبراطورية العثمانية التي ولدوا في ظلالها, ومن انتقل من واقع الدولة العثمانية البائس إلى واقع الاحتلال- الانتداب البريطاني ذي الطابع التّجهيليّ والأكثر بؤساً وألماً. كما يتبيّن أن القدس هي المدينة التي احتشد فيها أكبر عدد من هؤلاء الرواد؛ مولداً ونشأة وتعليماً, من هنا تضمن العنوان قيادة المقدسيين لرواد النهضة الفلسطينيين.
بقراءة متمعّنة لسّير مسيرات خمسين رائداً ورائدة, الذين تمتد تواريخ ميلادهم على مدى سبعين عاماً (حتى عام 1900) , وجدتني أمام قاعدة بيانات مهمّة لمجموعة من المبدعين والعباقرة وروّاد الفكر الحّر والتّحرّريّ, تكمن خلفهم مجموعة من الحقائق التي لا بد من التوقف عندها بالقراءة والتحليل, وأدعو الباحثين, من مختلف التخصصات, إلى تسليط الضوء عليها؛ لما فيها من مخزون فكري ومعلوماتيّ, يشكّل إضاءات مهمة لمن يسعى إلى التخطيط لمستقبل يحقق للأمة نهضة وحضوراً بين أمم الأرض التي ترى في علمائها ومفكّريها بيارق تشكّل للأمة هويتها التي تميزها عن غيرها من الأمم. وقد توزّع رواد النهضة في القرن التاسع عشر على مدى (70) عاماً.