الوقف كأداة مقاومة للاستعمار: عين كارم المقدسية أنموذجاً كما عكستها وثائق أرشيف المستعمرات الفارسية
Date
2022-01
Authors
موسى سرور
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
جامعة القدس - مركز دراسات القدس
Abstract
منح القانون الإسلامي والقوانين الدولية الأملاك الدينية والأوقاف سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية حصانة أمام تعديات السلطات المحلية أو الاستعمارية. حيث تمتعت الأملاك الوقفية بصفة "القداسة", هذه الحصانة والقداسة كانت محفزاً أساسياً لقيام أصحاب الثروة بتحويل عقاراتهم إلى أوقاف لحمايتها من بطش واعتداء أصحاب الشوكة. هذا عدا عن الدوافع الدينية باعتبارها صدقة جارية. وكانت هذه الدوافع من الأسباب الرئيسة وراء انتشار الأوقاف وتعاظمها في أنحاء المعمورة. ولم تقتصر هذه الأوقاف على المسلمين وحدهم وإنما عرفتها كل الديانات السماوية وأيضاً غير السماوية. حيث شكلت هذه الأوقاف بمؤسساتها المختلفة بديلاً عن الدولة ما قبل الحديثة في تقديم الخدمات المجانية لكل شرائح المجتمع. لكن, مع ظهور وتشكل الدول الحديثة سواء الوطنية منها أو الاستعمارية, وبنسب متفاوتة, تغيرت العلاقة بين نظم الأوقاف والدولة, من علاقة تكاملية إلى علاقة تنافسية تصادمية. حيث رأت هذه الدول الحديثة أن استقلالية نظام الوقف بمؤسساته وإدارته يشكل عائقاً أمام مركزية الدولة وتحكمها في مفاصل مكوناتها المجتمعية والاقتصادية والدينية والروحية. لذا عمدت على محاربة هذا النظام الوقفي لمحوه من الوجود أو التحكم في إدارته, وقد نجت تارة وأخفقت تارة أخرى.
وستظهر هذه الدراسة, كيف أن الوقف وقفَ عائقاً أمام الدولة الإستعمارية وأفشل مخططاتهم في السيطرة على الأرض ومحوه من الوجود, وتملك عقاراته لمستوطنيها. وهذا ما تكشف عنه قضية أراضي قرية عين كارم المقدسية الوقفية والنزاع القانوني بين فرنسا كوصية على أوقاف هذه القرية وبين دولة الاحتلال الصهيونية كدولة مستعمرة لأراضي هذه القرية. وتدور أحداث هذه القضية كما كشفتها وثائق أرشيف المستعمرات الفرنسية بين عامي 1948, تاريخ سيطرة إسرائيل على القرية, وعام 1962 تاريخ استقلال الجزائر وتخلّي فرنسا عن القضية لانتهاء صفتها "كوصي" على أملاك وأوقاف المغاربة في فلسطين.
نالت أوقاف المغاربة أو حارة المغاربة في فلسطين اهتمام العديد من الباحثين نظراً لأهمية هذه الأوقاف سواء من ناحية الحجم والموقع, أو لأنها جسدت أواصر الارتباط الوثيق عبر التاريخ بين شعوب المغرب العربي (تونس, الجزائر, المغرب) ومدينة القدس منذ تحريرها من الصليبيين عام 1187(أعمال عبد الهادي التازي)(التازي 1972). كما أن سياسة إسرائيل تجاه هذه الأوقاف والمتمثلة بتدمير حارة المغاربة بالكامل وتهجير سكانها عام 1967 كانت وراء تسليط بعض الباحثين الضوء على هذه السياسة(أعمال مايكل دمبر)(دمبر 1992). إلا أن هذه الدراسات نادراً ما تطرقت إلى مواقف وسياسات الدول الخارجية تجاه سياسة تهويد حارة المغاربة والسيطرة على عقاراتها منذ إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948, خاصة سياسة فرنسا(أعمال أبو القاسم سعد الله)(2008) وأعمال موسى سرور(Sroor 2018).
كما تحاول هذه الدراسة إلقاء الضوء على موقف وسياسة فرنسا الخارجية خلال تلك الفترة تجاه سياسة التهويد الممنهجة التي اتبعتها إسرائيل بحق أوقاف المغاربة وحارتهم في القدس خاصة العقارات التابعة لأوقاف أبو مدين شعيب والمتمثلة في قرية عين كارم. إذ تظهر الدراسة كيف أن فرنسا أعلنت نفسها منذ قيام إسرائيل الوصي الشرعي والحامي والمدافع عن أوقاف المغاربة في القدس, وهذا ما يمكن تسميته بالوصية الفرنسية على هذه الأوقاف والسبب أو الأسباب الكامنة وراء إعلان وصايتها على هذه الاوقاف إلى درجة تخصيص مبالغ مالية طائلة للحفاظ على بقاء وصمود العقارات الوقفية والدفاع القانوني والشرعي على مصالح هذه الأوقاف أمام سياسة التهويد الإسرائيلية وبالتالي تفسر إشكالية العلاقة بين السياسة والقانون في هذه القضية.
ونظراً لأن الموضوع جديد لم تشر الأدبيات السابقة إليه, اعتمدت الدراسة على مصادر أولية مهمة لم تستخدم في مجملها في الدراسات السابقة حول هذا الموضوع, تتمثل بالأساس بوثائق"أرشيف" المستعمرات الفرنسية(ما وراء البحار) والأرشيف الوطني التونسي.