القدس ضحية التطهير العرقي الممتد
dc.contributor.author | محمد توفيق | |
dc.date.accessioned | 2023-09-23T07:00:00Z | |
dc.date.available | 2023-09-23T07:00:00Z | |
dc.date.issued | 2019 | |
dc.description.abstract | في ديسمبر/كانون الأول 2017 اعترف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل, وألقى في وجه العالم بتعهده بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس, وهو القرار الذي أحجم جميع من سبقوه من رؤساء الولايات المتحدة عن الاقتراب منه أو الرضوخ لضغوط الحكومة الإسرائيلية المتعاقبة لاجتراح تلك الكارثة على المنطقة ومصالح الولايات المتحدة نفسها. لكن ترامب لم يكتف بمجرد إعلان استهلاكي, بل أثبت بالفعل تصميمه المسبق على التنفيذ, وانتقلت السفارة في يوم ذكرى النكبة من العام التالي, لتنكأ الجراح وتلهب المشاعر, وتنطلق التظاهرات والاحتجاجات فتسيل دماء زكية, وتصعد أرواح العشرات إلى بارئها شاكية. لم تسقط القدس على يد نتنياهو أو تتحول لعاصمة لإسرائيل فقط بقدوم ترامب, لكن الأمر بدأ منذ عقود طويلة بفكرة راسخة وثقها التاريخ وأثبتتها الأحداث, وهي أن الدفع باليهود نحو الأرض المقدسة لم يكن ليقف عند حدود 1948 أو 1967 أو قرارات التقسيم أو غير ذلك من محاولات سيطرت على العقول كثيراً. بل هو تحرك ممنهج؛ باستخدام كل الوسائل الإجرامية لإزاحة كامل الشعب الفلسطيني من أرضه وإحلال اليهود محله, وتبديل هوية الأرض إلى الأبد. كان قطاع مهم من المؤرخين الإسرائيليين قد بدأ في أواخر الثمانينات من القرن العشرين في تحدي السرد الرسمي للتاريخ الإسرائيلي, وهدم الجوانب الرئيسية التي تقوم عليها الأساطير الصهيونية حول الصراع العربي الإسرائيلي. نشأت تلك الظاهرة نتيجة ضيق العديد من المثقفين اليهود بما حدث في الضفة الغربية وقطاع غزة وخاصة بعد الانتفاضة الأولى 1987. في كتابه المهم والوثائق"التطهير العرقي لفلسطين" )the Ethnic cleansing of Palestine) يزيد إيلان بابي, المؤرخ الإسرائيلي الأشهر, أن عملية التطهير العرقي للقدس كانت قرينة الاحتلال منذ البداية, وحتى منذ الانتداب البريطاني المشؤوم على فلسطين. ويؤكد أنه حتى القادة اليهود الجذرين فيما يتفوهون به مثل بن غوريون كان الاعتراف بأن ما سموه شراء الأراضي المقدسية, لم يكن سوى مظلة غير حقيقية لما جرى على أرض الواقع من عمليات في القدس ومحاولة زيادة نسبة اليهود بها نتيجة لذلك. كان بن عريون ومساعدوه الأقرب موشيه شاريت(وزير خارجية المجتمع اليهودي في فلسطين تحت الانتداب) يتلمسان خطأ قادة الصهيونية التاريخيين, ورابطا بين الاستيطان اليهودي في القدس وبين العمل على ترحيل السكان الفلسطينيين الأصليين منها. ويسوق إيلان بابي دليلاً من محاضرة ألقاها شاريت على العاملين في المنظمات الصهيونية في القدس في 13 ديسمبر/كانون الأول 1938. الوزير الإسرائيلي كان يعرض الإنجاز الذي حققه ورفقاؤه "بشراء" 2500 دونم من الأراضي في وادي بيسان شرقي فلسطين, وأن هذا الشراء كان مصحوباً بتهجير السكان الأصليين للأراضي (يعلق بابي بأن المستعمرين كانوا يألفون سماع مصطلحات الطرد والتهجير المسمى بالترانسفير) وكيف أن ذلك سيخفض عدد الشعب الفلسطيني مقارنة باليهودي. ويؤكد المؤرخ الإسرائيلي أن الحقيقة هي أنهم لم يستطيعوا شراء شيء ذي قيمة, لكنهم صوروا الأمر وكأنه بيع لكامل الأرض عن طيب خاطر وهو ما لم يكن سوى كذبة كبيرة. وفي موضع اخر من الكتاب يشرح المؤلف ما حدث من تطهير ضد المقدسيين بعد خمسة أشهر ونصف فقط من قرار التقسيم الأممي لفلسطين, في 15 مايو/أيار 1948 أشعلت العصابات الصهيونية حرباً ضد السكان الفلسطينيين؛ الذين لم يجد معظمهم شيئاً يدافع به عن نفسه وأولاده في وجه العصابات المنظمة التي بدأت حملة تطهير ضدهم بدعوى تأمين المستوطنات المتناثرة وتأمين تواصل بينهما محاربة المقاومة المسلحة الفلسطينية والعربية. كان بن غريون رغم كل هذه الجهود متأكداً من أن ثلاث محاولات سابقة قامت بها عصابات الهاغاناه للاستيلاء التام على المدينة العتيقة قد فشلت. لذا اتجه الزعيم اليهودي إلى الحل الذي ارتإاه مناسباً؛ التطهير الدموي للمدينة والقرى المحيطة بها, ووضع خطة لذلك سمًاها "خطة يهوشوع" "Yehoshua Plan" تيمناً باسم التطرف اليهودي الروسي "يهوشوع غولبرمان" الذي قتل عام 1947. كان الاسم وحده شاهداً على إجرامية الخطة, ويسوق إيلان بابي تدليلاً على ذلك قصة حياة غولبرمان المولود في بيلاروسيا, والتي بدأت في أول عشرينياته بدخوله سجناً سوفييتيّاً لمدة ثلاثة سنوات لجرائمه ضد المجتمع المدني, ثم أفرج عنه بعد وساطة الكاتب الروسي مكسيم غوركي, كان واضحاً للجميع في بلدته أن هذا الشاب يعاني من خللاً نفسياً يدفعه للجريمة حباً في الإيذاء. غولبرمان كان أحد قادة الهاغاناه قبل أن يغتاله مجهولون في فلسطين, وكان مقدراً له أن يكون من كبار قيادات الجيش الإسرائيلي لكن موته المفاجئ قطع حبل جرائمه وأوقف الوحشية التي عرفه الجميع بها. الخطة التي تقتضي بتفجير القرى وإشعال الحرائق بدورها ومبانيها, ثم زراعة الألغام في الأراضي لمنع عودة أهلها إليها. وأن المراكز السكنية التي يصعب دوام السيطرة عليها يجب أن يتم كسرها بالقوة واجتياحها من جانب القوات اليهودية المسلحة وطرد أهلها خارج حدود البلاد. ورغم أن انتقاء تلك المراكز كان يفترض عسكرياً أن يكون وجود المقاومة مسلحة بها, لكن الحقيقة التي يؤكدها المؤلف أن الانتقال كان على أساس استراتيجية تلك المناطق ومواقعها بغض النظر عن سلمية ووداعة أهلها. مذبحة دير ياسين كانت من أعمال تلك الخطة, وقتل اليهود عشرات الفلسطينيين العزل. الذين صور إيلان بابي لحظاتهم الأخيرة في الشهادات الموثقة التي يسوقها للتدليل على عملية التطهير العرقي الدموي التي جرت ضد الشيوخ ونساء وأطفال لم يشفع لهم سنّ الرضاعة عند ذوي القلوب المتحجرة. كانت طقوس القتل تؤدي بتلذذ مرضي وتشفّ كبير في آلام الضحايا من الأبرياء. تحولت الضاحية العربية الغربية للمدينة إلى منطقة أشباح خاوية على عروشها, بعد أن ظلت عرضة للقصف والهجوم والاحتلال من جانب القوات الصهيونية. وانتهت مظاهر العمارة القديمة المميزة لذلك الجانب من المدينة تمهيداً لظهور القصور والفيلات اليهودية التي يقطنها اليهود القادمون من الولايات المتحدة ليقضوا سنوات عمرهم الباقية في المدينة المقدسة. كل ذلك التطهير والقتل والاحتلال حدث في ظل وجود القوات البريطانية, والتي حافظ جنودها على هدوئهم ولم يحاولوا التدخل لإنقاذ طفل واحد. وعبر الفصول وصفحات الكتاب التي قاربت ستمائة صفحة, يسوق إيلان بابي الأدلة والوثائق على ما يؤكد تسميته لما حدث في فلسطين والقدس خاصة من تطهير عرقي وإبادة للعزل من السكان الأصليين. كانت الخطط الصهيونية عبارة عن منهج متكامل لإنهاء الوجود الفلسطيني والمقدسي, يوضح المؤلف جوانبها المتكاملة من قتل للزعماء الفلسطينيين السياسيين وقتل من يدعمهم, وقتل من يساعد أو يشارك في الدفاع عن الأرض ومقاومة الاحتلال, وقتل كبار الموظفين الفلسطينيين العاملين تحت إدارة الانتداب البريطاني. ثم حرق وتدمير كل المواد الحياتية للشعب الفلسطيني من مصادر المياه والطعام, والهجوم على كل مظاهر الحياة المجتمعية من مقاه ونوادي وأماكن عامة, وحرق القرى والمناطق السكنية. لم تكن الصهيونية الدموية هي المتحملة فقط لمذابح ودماء الفلسطينيين, لكن الواقع هو أن اليهود الإسرائيليين كلهم يشاركون في هذا الإثم بعدم فضح جريمة التطهير الدموي التي جرت. ولأهمية بيان تلك الحقيقة أصدر بإيلان بابي كتابه "Out of the Frame" الذي يصف ما حدث للفلسطينيين في 1948 وما بعدها بأنه تطهير عرقي, ويكرس قدراً كبيراً من طاقته الفكرية لمناقشة ودحض الجهود الإسرائيلية لإنكار النكبة والمذابح التي جرت للفلسطينيين. | |
dc.identifier.issn | 2707-9767 | |
dc.identifier.uri | https://dspace.alquds.edu/handle/20.500.12213/8735 | |
dc.language.iso | ar | |
dc.title | القدس ضحية التطهير العرقي الممتد | |
dc.type | Article |