وقف النقود بالفائدة في العصر العثماني
Date
2022-01
Authors
خضر سلامة
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
جامعة القدس - مركز دراسات القدس
Abstract
الوقف, معناها لغةً: حبس المال عن الامتلاك والتداول من أجل المصلحة العامة, وشرعاً حبس العين المملوكة ملكاً تاماً والتصدّق بمنفعته على ذوي القربى او غيرهم, ويتم الوقف بأي لفظ من الألفاظ التي يعدّدها الفقهاء بستةٍ وعشرين لفظاً, وأكثرها استعمالاً "وقفت" أو "حبست", وأحكام الوقت اعتمدت على الاجتهاد والقياس, ولم يرد في القران الكريم نصٌّ يشير الى الوقف, ولكن أحكامه استنبطت من الآية القرآنية رقم 92 من سورة البقرة "لن تنالوا البر حتى تنفقوا ممّا تحبون",و الآية 110 من سورة البقرة "ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله", وفي الحديث نجد إشارة عن الصدقة الجارية.
والوقف أغلبه نوعان, وقف خيري يصرف ريعه على جهة من جهات البِرَِ. نقطة مثل المساجد والمدارس والمستشفيات وغيرها من المؤسسات العامة, ويرجع في تاريخه إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم, حيث أوقف سبعة حوائط (بساتين من النخيل) في المدينة المنورة, وكانت لرجل يهودي اسمه مخيريق ولم يسلم, وكان محباً للنبي وقاتل معه في وقعة أُحد قتل فيها, وكان أوصى النبي : إن أصبت فأموالي لمُحمّد يضعها حيث يريد, فتصدق الرسول بتلك الحوائط اي وقفها.
أما النوع الثاني: فهو الوقف الذريّ, ولا يمكن تحديد فترة محددة لذلك فحتى الوقف الخيري يمكن أن يستفيد منه الأهل وغيرهم, ولكن يمكن القول إن أول وقف ذري وهو ما قام به الزبير بن العوام, حيث أوقف دوره على سكنى أولاده, وأخرج من الاستحقاق من تزوجت من بناته, ويمكن اعتبار هذا الوقف نواة للوقف الذري.
رغم وجود الوقف بين الامم قبل الاسلام والذي كان مقصوراً على دول العبادة ووسائلها, ولكنه توسع وتطور بشكل غير محدود في الفترات الاسلامية المختلفة, وأصبح الوقف جزءاً أساسياً من عناصر الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمع الإسلامي, ويصعب في كثير من الأحيان فهم عناصر تلك الحياة دون دراسة دور الوقف, لأنه أصبح جزءاً لا ينفصم من نواحي الحياة للسكان مسلمين وغير مسلمين, حيث تمثل دور الوقف في أن السكان أخذوا يشاركون الدولة في القيام بتقديم الخدمات للأهالي, وفي أحيان كثيرة كان الوقف اختلف بين ولاية وأخرى, وخاصّة حين بلغ الوقف ذروته في الفترة العثمانية, ففي البلاد المفتوحة مثل بلاد بلقان نجد أنّ دور الوقف أكبر منه في الدول الإسلامية الاخرى.
هذا لا يعني أن مؤسسة الوقف لم تواجه مشاكل, وأن مسيرتها كانت وردية وتؤدي الخدمات المطلوبة منها, فقد بدأ النخر في هذه المؤسسة في العصر المملوكي, وبعد عشر سنوات من حكم المماليك, تولى السلطنة بيبرس البندقداري في سنة 659/1260, فأدخل العمل بالمذاهب الأربعة سنة 1265/664, وأصبح لكل مذهب قاضي القضاة, وأصبح في كل من القاهرة ودمشق أربعة قضاة للمذاهب الإسلامية, وكل واحد عرف بلقب "شيخ الإسلام", والقاضي الشافعي هو رئيس القضاة, وقد كانت القدس تتبع نائب دمشق إدارياً, وإن كان لها نائبٌ يعين من السلطان, وتختلف الآراء متى تم تأسيس نيابة القدس, يشير مجير الدين الحنبلي إلى أنّ نيابة بيت المقدس والخليل ترجع إلى سنة 1313/713, في حين أنّ القلقشندي يرجع استحداث نيابة بيت المقدس إلى سنة 1375/777, وكان نائب السلطان يقيم في المدرسة الجاولية في عصر مجير الدين (المدرسة العمرية في عصرنا الحالي), وقد استغرق الأمر ما ينوف على قرن من الزمن, حتى يتم تنفيذ هذا القرار عملياً في مدينة القدس.
وتوضح لنا مصادر تلك الفترة أن أول رشوة بذلت لتولي القضاء الشافعي في مصر ترجع إلى أكثر من قرن من بعد مرسوم بيبرس, أي لم تورد المصادر أي رشوة قبل سنة 1377/779, ومن يقرأ عن البذل أو الرشوى لتقلُّد المناصب الدينية في تلك الفترة يصاب بالصدمة من تفشي هذه الظاهرة في جميع الوظائف الدينية, ومن الطبيعيّ أن ينعكس هذا الوضع على الأوقاف في العصر المملوكي, ويصبح تسريباً منوطاً بدفع المال, لأن هدف العاملين عليها تمثل في جمع المال من كل حدب وصوب وبأي طريقة كانت, مما قاد إلى تدهور هذه المؤسسة بعد أن سرى الفساد في جميع أركان الدولة وبالتالي كانت نهاية دولة المماليك على يد العثمانيين.