سارتر وفلسطين في الفكر العربي المعاصر
Date
2025-01
Authors
أحمد عطية
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
جامعة القدس
Abstract
قبل أن نتناول الموقف أو المواقف المختلفة التي اتخذتها سارتر تجاه القضية الفلسطينية والتي أحدثت تحوّلًا جذريًّا في تعامل المفكرين العرب معه بسبب تردده وحياده، وتعاطفه وانحيازه إلى الموقف الصهيوني المغتصب لفلسطين، نستعرض الحماس السابق للمثقفين العرب تجاه صاحب فلسفة المواقف، الذي اختلطت في كتاباتهم حوله أمانيهم وطموحاتهم مع كتاباته وآرائه. ونتج عن ذلك صورة يمكن أن نسميها "سارتر العربي"؛ حيث ظهر سارتر فيما قدم عنه في العربية باعتباره صورة "للضمير الإنساني" و "عاصفة على العصر". ودبجت حوله المقالات وفتحت معه الحوارات وتوجهت إليه الخطابات وكثرت الدراسات وقدمت الملفات التي لا تحتوي فقط على فلسفته، بل على حماسنا الشديد لها وأملنا الكبير فيها. لقد ظللنا ما يقرب من ربع قرن نحيا مرحلة سارتر التي بدأت في حياتنا الثقافية بعد الحرب العالمية الثانية وسيطرت سيطرة طاغية على كتاباتنا حتى حرب يونيو/حزيران 1967.
ويمكن استقراء ما حدث من فصله الأخير،حين نشر إبراهيم عامر مقالًا في مجلة الهلال كانون الثاني/ يناير "1968" بعنوان " ما بعد سارتر"، وتعني هذه الدراسة -من حيث موضوعها وتاريخ نشرها -نهاية مزدوجة لفلسفة سارتر بظهور البنيوية وصعودها وتجاوزها للوجودية وسجالاتها المتعددة مع سارتر، من جانب، كما تعني توقف حماس المثقفين العرب بعد حرب يونيو/ حزيران 1967 مع إسرائيل، التي انحاز سارتر إلى جانبها بعد زيارته الشهيرة لمصر في مارس/آذار من العام نفسه من جانب آخر، حيث توقفت أو قلّت ترجمة أعماله واقتصرت على بعض الكتابات الفنية والأدبية، مما أدى إلى تحول الاهتمام به إلى الدراسة الأكاديمية البحت على أساس أنه أصبح جزءًا من تاريخ الفلسفة بعدما كان جزءًا من الثقافة العربية الحية التي تسهم في صياغة فكر العرب الحديث ووجدانهم.
وهذا يعني تميز مرحلتين في تعامل المثقفين مع سارتر وكتاباته ومواقفه يفصل بينهما التاريخ السابق، مرحلة تنامي أفكار الحرية والاستقلال والتقدم والعدالة الاجتماعية؛ التي لم تُؤسس في وعينا نظريًا، فكان سارتر بالنسبة لنا أملًا في تدعيم وبلورة هذه الرؤية وتوضيحها وتأسيس طريق الحرية والتقدم ومرحلة الهزيمة والانكسار وحساب ونقد الذات والغرب؛ الذي يعد سارتر جزءًا منه، وكما يتخذ مواقف مؤيدة يمكن أن ينحاز أو يقع تحت تأثير القوى الصهيونية، كما يتضح من كتاباتنا حوله، التي تعبّر عنّا مثلما تعبر عن فلسفته. سوف نتوقف أولًا عند مجموعة من الاستشهادات من الكتّاب العرب حول سارتر توضح لنا الصورة التي رسمت له في الوجدان والعقل العربي. ثم نعرض للمواقف العربية المختلفة؛ المتعلقة بكتاباته ومواقفه من القضية الفلسطينية والمسألة اليهودية في الصراع العربي الإسرائيلي.