من كونجسبرج الى قدسنبرج
Date
2025-04
Authors
أحمد عبد الحليم عطية
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
جامعة القدس
Abstract
القدس على ضوء القمر والبندقية
علينا أن نتوقف عند القدس، التي تمثل مقصدًا أساسيًّا في بحثنا الحالي للتحول من أورشليم إلى القدس، ونبدأ الانتقال من الفلسفة إلى فلسطين ومن كونجسبرج إلى قدسنبرج، ومن هنا يكون الحديث عن القدس تاريخيًّا أو جغرافيًا وأنثروبولوجيًّا؛ مسألة غاية في الأهمية تنقلنا إلى القدس فلسفيًّا والقدس مكانيًّا؛ فهي قلب الوجدان العربي ومركز الوهج الديني للأديان السماوية ومقصد الروح، وهو ما ينقلنا إلى انصهار الآفاق، آفاق ثلاثة، إذا وهن أحدها سانده الآخر، هذه الآفاق الثلاثة وهي الأفق الحاضر على ساحة الحرب والقتال والمقاومة، والإفق المنتظر أفق السلام والتفاوض والبحث عن حلول سياسية وهما الجناحان اللذان تسعى بهما القضية الفلسطينية للتحليق لتجاوز الحصار والإبادة، والأفق الثالث وهو العقل والوجدان، الفكر والثقافة، والأفق الثالث صاحب الدور الغائب والمبعد عن أتون الصراع وآن الأوان أن يعود إلى القلب، يغذي جناحينا في الصراع. إن تناول القدس اليوم في أتون الصراع، أرضها وأهلها ومنازلها، يتضمن عبق التاريخ وأنفاس البشر، وعتاقة المنازل القديمة، أهل القدس هم المقصد والغاية، سنتحدث عن وضعية القدس الراهنة وماذا أحدث تقسيم القدس من آثار، ووضعية الفلسطينيين فيها، ونشير إلى نظرة الفلاسفة إليها وكيف تعاملوا معها وكيف تهمّنا القدس اليوم وفي المستقبل مقابل أورشليم، وإذا كان البعض يريد التحول عن أثينا إلى أورشليم فنحن نرسم هنا طريقًا إلى فلسطين، وهو نفسه طريق العرب إلى الفلسفة، والحديث عنهما بداية رحلتنا الحالية نحو الحق والعدل والحرية لنا، وعلى أن ننصت إلى شدو جارة القمر، فيروز وهي تضيء شوارع القدس بما يضيء الرؤية ويحدد علامات الطريق.
مريت بالشوارع شوارع القدس العتيقة
قدام الدكاكين البقيت من فلسطين
عم صرخ بالشوارع شوارع القدس العتيقة،
يا صوتي ضلك طاير زوبع بهالضماير،
خبرهن عاللي صاير بلكي بيوعى الضمير
****
لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي، لأجلك يا بهية المساكن
يا زهرة المدائن عيوننا إليك ترحل كل يوم
الطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان؛
يبكيان
****
لأجل من تشردوا،
لأجل أطفال بلا منازل
لأجل من دافع واستشهد في المداخل،
واستشهد السلام في وطن السلام
وسقط العدل على المداخل
****
حين هوت مدينة القدس
تراجع الحب وفي قلوب الدنيا استوطنت الحرب
الطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان وإنني أصلي
الغضب الساطع آتٍ..الغضب الساطع آتٍ
الغضب الساطع آتٍ وأنا كلي إيمان
وتشدو في أغنية ثانية وما زالت الأغاني ممكنة تقول ونقول معها
أنا لا أنساك فلسطين ويشدُّ يشدُّ بيَ البعد
أنا في أطيافك نسرين، أنا زهر الشوق أنا الورد
سندكّ ندكّ الأسوار، نستلهم ذاك الغار
ونعيد إلى الدار الدارا نمحو بالنارِ النار
****
هنا يأتي الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم، والمغني البصير الشيخ إمام عيسى ليكمل مع اللبنانية، العربية الإنسانية الرائعة، التواصل مع الفلسطينيين وليؤكد شعور أفراد الأمة البسطاء أننا معهم منهم مخاطبًا كل فلسطيني، مبشرًا بأن العودة من الغربة وتحقيق النصر لا يتم إلا بالثورة الدائمة يقول:
يا فلسطينية والبندقاني رماكو، بالصهيونية تقتل حمامك وفي حداكو
يا فلسطينية وأنا بدي أسافر حداكو، ناري في إيديّه وإيديّه تنزل معاكو
على رأس الحية وتوت شريعة هولاكو،
****
يا فلسطينية والغربة طالت كفايه
والصحراء آنت م اللاجئين والضحايا
والأرض جئت للفلاحين والسقايه
والثورة غاية والنصر أول خطاكو
****
يا فلسطينية والثورة هي الأكيدة،
بالبندقية نفرض حياتنا الجديدة
والسكة مهما طالت وباتت بعيده،
مد الخطاوي هوَّه اللي يسعف معاكو
****
والتساؤل كيف تحول العالم من التنوير الأوروبي إلى التدمير الصهيوني، وهل شغل بنقد العقل النظري ونقد العقل العملي وتغافل عن نقد العقل الاستيطاني المخرّب، المدمر، القاتل؟ وهل عليه أن ينشغل بالمسألة الفلسطينية التي لن تموت مثلما شغل وما زال بالمسألة اليهودية؟ التي خدع بها العالم وما زال، وهل فكرنا في الدافع بمشروع السلام من كونجسبرج إلى قدسنبرج؟ هل يمكن أن تعاون الفلسفة ليس فقط في الإسراع بتقديم المعونات إلى أهل غزة التي نحتاج إلى توصيلها إليهم مثل احتياج أطفالهم لهما، فقد قاتلوا واستشهدوا دون أن يذوقوا الطعام، وهل ممكن أن تعبر الفلسفة معبر رفح حتى تفتح عقول العالم على حرية واستقلال فلسطين؛ قضيتنا جميعًا قضية تحرر فلسطين ترتبط بالفلسفة العربية الحية، صار الآن موعد ميلادها وحياتها واستمرارها. والفلسفة في حاجة إلى فلسطين أكثر من كون فلسطين في حاجة للفلسفة، حتى يُعاد للأمة عقلها وللعالم العدل وللعرب الكرامة وللفلسطينيين الحياة.
تنقل هذه التساؤلات إلى كانط فيلسوف كونجسبرج صاحب نقد العقل. وإلى كتابه السلام الدائم الذي كتبه في بلدته كونجسبرج، فماذا عن قدسنبرج حتى ننطلق سويًّا منها نحو القدس.