الخلفيات الفكرية والآفاق المستقبلية لخطة تهجير غزة الترامبية "دراسة مُحكمة"
Date
2025-04
Authors
سعيد أبو علي
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
جامعة القدس
Abstract
في واشنطن يوم الثلاثاء الرابع من شباط/ فبراير، في سياق مؤتمر صحافي مشترك عقده دونالد ترامب مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض طرح أثناءه فكرة استيلاء الولايات المتحدة على غزة. من خلال اقتراح يقضي بنقل الفلسطينيين إلى دول مجاورة وإعادة تطوير المنطقة المتضرّرة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
وكان ترامب قد طرح مسألة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لأول يوم 25 كانون الثاني / يناير الماضي، وذلك من خلال "حثّ مصر والأردن على استقبال المزيد من سكان القطاع". وعندما سُئل آنذاك عمّا إذا كان يقترح حلًّا طويل الأمد أو حلًّا قصير الأمد؟، قال: "يمكن أن يكون الحلّ أيًّا منهما."
ومما قاله ترامب الأحد الموافق التاسع من شباط / فبراير إنه لا يزال "ملتزمًا بشراء غزة وامتلاكها"، وإنه "ربما يعطي أجزاءً من القطاع إلى دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط لبنائها". وتابع: "لا أعتقد أن سكان غزة يجب أن يعودوا إليها، فالقطاع هو سبب مشاكل كثيرة في الشرق الأوسط، ولا نريد أن تكون هناك حركة حماس بعد إعادة البناء". وشدّد على أن الولايات المتحدة "ستمتلك غزة وتطوّرها وتعيد بناءها بحذر وبطء شديدين"، مشيرًا إلى أن الدول الغنيّة في الشرق الأوسط "ستشارك في إعادة بنائها وستبني مواقع جيدة للناس وللفلسطينيين وسيعيشون بسلام". "وكالات الأنباء: 4-10 / 2 / 2025".
ولم تقتصر تصريحات ترامب المثيرة للجدل في شهره الأول بالبيت الأبيض على فلسطين، إنما طالت عديد المناطق في العالم الذي ساده القلق والتوتر واعتراه الذهول والصدمة جراء تصريحات وسياسات غير تقليدية تهدد بالسيطرة الأمريكية على جزيرة غرينلاند، وضم كندا وخليج بنما، إلى جانب إعادة صياغة العلاقات الأمريكية مع الاتحاد الأوروبي، فيما صعّد ترامب من حرب الرسوم الجمركية مع الصين وعدد من دول العالم وغير ذلك من الإجراءات الاقتصادية؛ بما فيها مقايضات تسوية وإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية بأفكار ومواقف تمثّل الكثير من التساؤلات حول مدى تأثيرها على استقرار العالم وأمنه ونظامه القانوني…
أما فيما يخص فلسطين، فيأتي طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لهذه الفكرة -المشروع- أو الأفكار المجنونة التي ستموت من تلقاء نفسها، كما وصفها توماس فريدمان (المصري اليوم 27 / 2 / 2025) بعد خمس سنوات من طرح ما عُرف إعلاميًّا ب "صفقة القرن" في أواخر ولايته الأولى (2016:2020) لتطبيع سياسي واقتصادي إسرائيلي - عربي مقابل دولة فلسطينية رمزية منزوعة السلاح دونَ القدس، لتكون هذه الخطة الجديدة بأول فترته الثانية، وجوهرها السيطرة على قطاع غزة وتهجير سكانه وإعماره مع ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية في الوقت نفسه.
كانت المحاولة الأولى (صفقة القرن) بعد نحو ثلاث سنوات من تسريبات إعلامية عن الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وفي ظل تواصل تلك التسريبات خرج ترامب، في 28 كانون الثاني/يناير 2020، في مؤتمر صحافي مع نتنياهو بواشنطن لإطلاق خطته للسلام، قائلاً إنها ستتضمن دولة فلسطينية، لكن ستبقى القدس عاصمة موحدة ل "إسرائيل"، لافتًا إلى أن دولاً عديدة ستشارك بما يقدر بـ50 مليار دولار لمشاريع جديدة بتلك الدولة (بمعنى الصفقة المالية).
وكشف نتنياهو وقتها، في المؤتمر، عن أن خطة ترامب تتضمن نزع السلاح، وتطبيق القوانين الإسرائيلية على غور الأردن ومستوطَنات الضفة الغربية ومناطق أخرى بمعنى ضم هذه المناطق. المحاولة الأولى لم تستكمل ولم تنجح إلا في بعض جوانبها، وخاصة أنه تم الإعلان عنها في أواخر فترة ولاية رئاسة ترامب ومع بداية السباق الرئاسي الأمريكي آنذاك، ثم مجيء جو بايدن رئيسًا جديدًا(2020-2024).
لكن هذه الخطة الثانية طرحت مباشرة إثر فوزه. ومرة أخرى بحضور رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.
من ملاحظة أنه "لا فرق كبير بين الخطتين، فكلاهما بالجوهر صفقة مالية عقارية وتتفقان على دعم إسرائيل بشكل مطلق، لكنهما تختلفان في أن الخطة الجديدة تعدّ "تطهيرًا عرقيًّا واحتلالّا أمريكيًّا للقطاع. دون إشارة إلى دولة فلسطينية مهما كانت صفتها، حدودها أو نظامها، إذ يقتصر الأمر على قطاع غزة تهجيرًا والضفة الغربية وعدًا بدراسة الموقف من الضم. (الشرق الأوسط 5 / 2 / 2025)
فهل هي خطة تصفية القضية الفلسطينية وبصورة رسمية ومعلنة بكل هذه العنهجية المعبرة عن عقلية استعمارية؟ إن هذه الخطة لا تصادر فقط مجمل الحقوق التاريخية والوطنية الفلسطينية الثابتة طبقًا لقواعد القانون وقرارات الشرعية الدولية؛ وإنما تقوض المبادئ والقواعد القانونية وبنيان النظام الدولي برمتها… فهل تتكامل مع سابقتها دون الخوض بتفاصيل ما تمَّ تنفيذه وتحقيقه من بنود الخطة السابقة، خاصة فيما يتعلق بالقدس والسلام الإبراهيمي!
لكن وقبل الخوض بموضوع مآلات هذه الخطة الجديدة ومستقبل الخطة التي واجهت رفضًا دوليًّا واسعًا يثور التساؤل عن جدية هذه الخطة الخارجة عن حدود التفكير المنطقي وليس الصندوق الاعتيادي، وهي تعبّر عن حقيقة الفكر الاستعماري الصهيوني المتأصل في التحالف الصهيومسيحي العالمي بمضامينها وتداعياتها الصادمة النافية للوجود والحقوق الفلسطينية، وخاصة حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير على تراب وطنه.
الأمر الذي ستناقشه هذه الورقة بالتركيز على عنصر الخطة الجوهري ونقطة الارتكاز الأساسية فيها، وهو التهجير، باعتباره المحور الأساس في الخطة؛ في إطار تحليل مدى جدية هذه الخطة وأبعادها وإمكانات تحقيقها، سواء لأهدافها المباشرة أو غير المباشرة.
وعليه ستتناول هذه الورقة تحليل ومناقشة الخلفية التاريخية لمسألة تهجير المواطنين الأصليين لفلسطين في الفكر والممارسة الأمريكية الصهيونية باعتبار أن قضية التهجير ليست قضية طارئة أو غير مسبوقة بهذا الفكر، وإنما تتم إعادة استحضارها (وذلك بمطلب أول) ثم مناشة وتحليل أبعاد وتداعيات هذه الخطة في السياقات المتعددة للأطراف ذات الصلة بموضوعها ومحتواها إقليميًّا ودوليًّا (بمطلب ثانٍ)، وذلك بمنهج وصفي تحليلي ويجيب على تساؤلات الورقة ويدقق فرضياتها المنبثقة عن الفرضية الأساسية القائلة إن الخطة خطة جدية لا ينبغي التقليل من خطورتها لكنها مع ذلك ليست قدرًا مقضيًا وإن كانت تعبيرًا عن تحول إستراتيجي تتبناه الإدارة الأمريكية في تأطير العلاقات وتسوية الصراعات الدولية لتحقيق السلام بالقوة والضرب بعرض الحائط بالقانون والمواثيق الدولية.