إيكولوجية مدينة القدس في ضوء المعالجة البيئية والاجتماعية والنفسية للمكان منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتي نهاية الانتداب البريطاني

Abstract
استمر السكان المقدسيون من مختلف الانتماءات العرقية والطائفية؛ يهوداً ومسيحيين ومسلمين في التكّيف والاندماج وبناء نسيج المجتمع المقدسي طوال عقود عدة, ومنذ الفتح الإسلامي كانت القدس مدينة إسلامية موحّدة, ولم تكن مقسمة تبعاً للانتماءات الإثنيّة-الدينية داخل الأسوار. مع العلم أن التّسميات الجغرافيّة العبريّة الحاليّة وتقسيمات الأحياء الحالية(الحي الإسلامي والمسيحي واليهودي والأرمني) لم تكن موجودة من قبل. وبالأحرى تكوّنت تاريخياً حارات البلدة القديمة تبعاً لمهنة أصحاب الدكاكين فيها, كحارة المبيضين, الذين كانوا يوجدون سوق خاصة داخل البلدة القديمة, حيث يطلون الأواني والقدور والأوعية النحاسية المستخدمة في إعداد الطعام وتقديمه بالقصدير, كذلك حارة الجوالدة أو الدباغة (دباغي الجلود), أو حارة خان الزيت(نزل تجار زيت الزيتون) أو أنها كانت تبعاً للعشيرة أو العائلة المقيمة في المكان مثل عقبة الخالديّة نسبة لعائلة الخالدي, وكذلك أفراد عشيرة بني زايد الذين أنشؤوا حارة بني زيد في الموقع المعروف اليوم باسم عقبة المولويّة شرقي باب العمود. إلا أنه ومنذ أن بدأت المدينة تنمو خارج أسوارها في منتصف القرن التاسع عشر, وبداية ظهور الضواحي والأحياء الطائفية, بدأت تبرز بوضوح مؤثرات البناء المكانيّ المسيّس بقوة في السلوك البشريّ للمجتمع المقدسي, الأمر الذي أضعف وبقوة إمكانية استعادة مدينة حيّة متجانسة مع نفسها متعددة الانتماءات, تتميز بأسماء أحيائها وحاراتها وطوائفها التي كانت تشكل انتماءات مشتركة للمدينة الدنيويّة. منذ انهيار الدولة العثمانية وبداية الاستعمار البريطانيّ وحتى خط الهدنة عام 1948 أخذت المدينة تشهد إنتاج اللا مساواة المسيّس, حيث بدأت تشكل ولأول مرة في التاريخ الجديث حدوداً شبه فاصلة بين التجمعات الإثنيّة(حدود العرب واليهود). من هنا فهمت بيئة القدس كنسق إيكولوجيّ لتفاعل وظيفيّ للإنسان المقدّسي مع بيئة طبيعيّة وثقافيّة ذات تأثير فعّال, لا كنسق استاتيكي ثابت لشكل المدينة المكانيّ أو تمايزها المساحيّ في ضوء خصائص المكان والموقع فحسب, بل فهم هذا النسق من منظور التفاعل والتنظيم المكانيّ وأثره في تحديد عمليات الاستخدام المحتمل للمكان, التي تؤدي إلى حدوث تغيرات تدريجّية أو في عمليات تحويل المكان, التي تؤدي إلى تغيير جذريّ للبيئة المقدسيّة بشكل مقصود وهادف لأسباب سياسية. مع نهاية القرن التاسع عشر وفرض الانتداب الريطانيّ على فلسطين, أخذت المعالجة الإيكولوجية تنظر إلى حياة سكان القدس في ضوء علاقاتهم ببيئتهم المتغيرة باستمرار كمطب ضروريّ لفهم مشكلاتهم التي تتميز بكثافتها العالية وظهور حالة من عدم التجانس الاجتماعيّ بين سكانها, والذي يصل إلى حد عدم عدم التجانس العرقيّ والدينيّ والثقافيّ. فتنوع جماعات المدينة, والصراع أصبح واضحاً بين الانتماءات اليهوديّة (الّتي تشمل اليهود العرب الفلسطينيين واليهود المهاجرين وعلى رأسهم الأشكناز) والانتماءات الفلسطينية(الّتي تشمل المسيحيين والمسلمين العرب والطوائف اليونانية والأرمنية), والحراك الجغرافي والاجتماعي المتزايد لسكانها أصبحت سمة أساسية في إيكولوجية المدينة. ويظهر تأثير إيكولوجية مدينة القدس على ساكنيها كلما ازدادت نموّا في الحجم؛ بازدياد عدد المقيمين في المدينة ازدادت الروابط بينهم ضعفاً, كما تعرضت العلاقات الاجتماعية للتغّير والتبدّل, كما هو الحال بين الفلسطينيين(مسلمين ومسيحيين) ويهود. وتحولت تلك العلاقات الاجتماعية في ستينات القرن التاسع عشر(الفترة التي بدأ اليهود الأوروبيون السكن في القدس لأول مرة بالتاريخ) إلى حد ما إلى علاقات لا شخصية ولا سطحية ومؤقتة وسريعة الزوال, وما انفكت الحركة الصهيونية ولاحقاً الدولة المحتلة تهدد المدينة بسياسات الإقصاء المختلفة التي تمارسها. ومن هنا ستتم المعالجة الإيكولوجية للقدس في ضوء عناصر النظام الإيكولوجيّ الحضريّ Elements of Urban Ecological System الذي يتكون من خمسة عناصر متداخلة ومترابطة وتعتمد على بعضها بعضاً, وهي السكان Population والبيئة Environment والتكنولوجيا Technology والتنظيم Organization وأخيراّ العنصر الاجتماعي والنفسي Social-Psychological Element. إن العنصر الأخير "النفسي الاجتماعي" سيشكل المحور الأساس في معالجة الإيكولوجيّة للمدينة.
Description
Keywords
Citation