نصوص الرباط في باب الأسباط

Date
2019-09
Authors
المتوكل طه
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
جامعة القدس - مركز دراسات القدس
Abstract
يداه المجرّحتان, والخرقة التي يلف بها جسده الوردي, وشعره المسبول المجعد قليلاً, وقامته الفارعة السّنبلية, وتواضع جلسته على حجارة المعصرة, والتلاميذ من حوله.. ولا شيء غير أنه نبي يعظ ويشرح, ويكاد اليمام يفرد أجنحته ليقع الكلام الرسولي على الرّيش, كما تقع حبّات الماء الصافية, فيطير بها.. ليبشّر من لم يشهدوا حلقات التبيّ, لعلّ الأرض تصادف السلام والطمأنينة والمحبّة. كان الحقل لجدّته أمّ مريم, وثمةّ ثماني زيتونات دهريّات, والحجارة ملساء تشرّبت الزيت المعصور, وبعد العشب الهائش القليل… لقد كان المشهد طبيعياً رعوياً لا يشي بما سيحدث من تحوّلات كونيّة, ومن عبر ستقشعرّ منها المعادن. كان يعرف أنّ المائدة ستهبط من السماء, وأن يهوذا سيخونه بثلاثين رنّانةّ نجسة, وسينكره تلميذه المحبّ, وسيكون عرقه دماّ نخّثراً, وسيصعدون به إلى الجلجلة. كان بستان جدّته مهيأ ليكون غير كنيسة وقبر مقدّس, ولم يكن في بال البنّائين أن كنيسة الجثمانيّة "المعصرة-الجتسمانية" هي وسادة الجموع الذين حلّوا على التلّة المقابلة, صعوداّ إلى باب الأسباط الذي ينفتح ليستقبل الشمسكلّل شروق. والصعود إلى الأسباط قد يتعدّى العشرين ذراعاً, على يمينه المقبرة اليوسفية(نسبةً إلى اسم باب الرحمة المغلق الواقع شرق سور القدس بمحاذاة المقبرة), اللتان يغفو فيهما الصحابة الأحياء, ويتزاحم في قلبيهما الشهداء الأبرار. ويبدو واضحاً أنّ هذا المكان كتب الله تعالى بيده تاريخه الجليل, إذ أسكن فيه أولياءه وصحابه حبيبه والذين صدقوا ما عاهدوا عليه. وفي 21 تموز/يوليو 2017, وبعد أسبوع كامل من إغلاق الأقصى ومنع المصلين من دخوله, تحوّل باب الأسباط إلى ميدان رئيس لاعتصام الفلسطينيين في القدس, احتجاجاً على الإجراءات الإسرائيلية في القدس, احتجاجاً على الإجراءات الإسرائيلية بحقّ المسجد الأقصى, خاصة إغلاقه ومنع الصلاة فيه, ووضع بوابات إلكترونية على أبوابه, وهي الإجراءات التي اضطر الاحتلال لاحقاً إلى إزالتها. وخلال أيام الرباط لأهالي القدس على أبواب المسجد الأقصى المبارك رفضاً لدخولهم إليه عبر بوابات الاحتلال الإلكترونية, كان اسم باب الأسباط هو عنوان هذا الرفض, حيث الصلاة الجماعية التي وصلت إلى قرابة سبعة عشر ألف مصلّ على أبوابه, واستفزاز الاحتلال للمرابطين والمصلين عنده, واندلاع المواجهات وإصابة العشرات منهم, والاعتقالات التي طالت عشرات الشبان وإبعادهم عن المكان. كما فتح أكثر من خمسين ألفاً البوابات المغلقة, وعبرا إلى المسجد مكبّرين مهللين في مشهد مهيب جامع جليل, يذكرنا بفتح مكة المكرمة, في اللحظة التي فقد فيها الجنود عقالهم, وراحوا يمطرون الفاتحين بزخّات متتالية من القنابل الغازية والمدمعة والصوتية و رشقات متّصلة من الرصاص, واستدعوا قوات مدججة جديدة, حاولت أن تقف في وجه الجموع, لكنهم-أي الجنود- أسقط بيدهم من هول ما رأوه من اندفاعة الفاتحين بصدورهم العارية وصرخاتهم المتصادية المّدوية.. فهربوا, بل اختفوا هم وبنادقهم. ولعلّ كلمة السّر في كلّ ما جرى هي نساء القدس, اللواتي بدأن رباطّهن في الأقصى منذ عقود, وما زلن على حالهّن في الساحات وعند الأبواب… وكلّما أبعدوا إحداهنّ رجعت متخفية, ومعها وجوه جديدة. وخلال الأربعة عشر يوماً من المرابطة, أغلق الاحتلال بوابات الحرم الشريف, ونصب البوابات الإلكترونية والكاميرات, فتجمّع المرابطون على امتداد الطريق من الجثمانية شرقاً إلى باب الأسباط غرباً, بين المقبرتين, وكان ثمّة مرابطون في طريق المجاهدين وساحة الغزالي وصولاً إلى باب الواد.. اقتعدوا الطرقات المرصوفة بالحجارة الملساء.. إلى العتبات والأزقة المحيطة بكلّ مداخل الأقصى…. وكانوا هناك!
Description
Keywords
Citation